منتدى صباح بنات
&&&&&&&&&&&&&

’,، أهلاً .. وسهلاً .. ,’،

,’، (( أيها الزائر )) ,’،

,’، نحن سعداء بتشريفك لمنتدانا
’,، وكلنا أملٌ بأن تجد هنا ,’،
,’، مايسعدك ويطَيِّب خاطرك ’,،
’,، تَحيّاتِي وَتَقْديرِي ,’،

,’،مديرة المنتدى ,’،
&&&&&&&&&&&&&

منتدى صباح بنات
&&&&&&&&&&&&&

’,، أهلاً .. وسهلاً .. ,’،

,’، (( أيها الزائر )) ,’،

,’، نحن سعداء بتشريفك لمنتدانا
’,، وكلنا أملٌ بأن تجد هنا ,’،
,’، مايسعدك ويطَيِّب خاطرك ’,،
’,، تَحيّاتِي وَتَقْديرِي ,’،

,’،مديرة المنتدى ,’،
&&&&&&&&&&&&&

منتدى صباح بنات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


هــلا وغلا بــكـ يـــآ زائر نور بــــتوآجدكـ منتدآنأإ
 
الرئيسيةبوابه - منتدى صأحدث الصورالتسجيلدخول
المواضيع الأخيرة
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
كم الساعة الحين ؟؟

 

 الكاتب ذو القلمين ـ لـــ أبو المقداد الشنقيطي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
كوريا ستايل
Admin
Admin
كوريا ستايل


عدد المساهمات : 962
تاريخ التسجيل : 03/01/2012

الكاتب ذو القلمين ـ لـــ أبو المقداد الشنقيطي  Empty
مُساهمةموضوع: الكاتب ذو القلمين ـ لـــ أبو المقداد الشنقيطي    الكاتب ذو القلمين ـ لـــ أبو المقداد الشنقيطي  Empty10/22/2012, 06:17

السلام عليكم ورحمة

الكاتب ذو القلمين
: للكاتب والمبدع عميد بنا ء الفكر والثقافة

الأستاذ : أبو المقداد الشنقيطي



وقف الرجل ذو الخمسة عقود على آخر درجات السلم الأسمنتي المؤدي إلى سطح العمارة العجوز حيث توجد الغرفة التي يقطنها منذ أن كان طالبا. أخرج رزمة المفاتيح من جيب سترته الداكنةالحمرة و تحسس بيده ثقب القفل الذي لم يجد صعوبة في العثور عليه كما لم يجد صعوبة في التعرف على مفتاح الغرفة بين عشرات المفاتيح التي يحتفظ بها دون ما سبب و دون أن يعرف قط أي أبواب كانت تفتح. أدار المفتاح و دفع الباب بهدوئه المعتاد فاندفعت كتلة من الهواء الرطب الممزوج برائحة أعقاب السجائر الرخيصة، خارجة و كأنها كانت توشك على الاختناق داخل الغرفة المظلمة.

ألقى بكومة الأوراق التي كان يتأبطها على الطاولة الخشبية المنتصبة في وسط الغرفة و التي كانت تشكل مع الكرسي القابع إلى جانبها و بقايا سرير متهالك، كل أثاث الغرفة، ثم بدأ في إفراغ جيوب سترته من محتوياتها قبل أن يعلقها في مسمار كان قد دقه خلف الباب ليكون مشجبا و قد تكون له فيه مآرب أخرى...

كان يلقي بالأشياء فوق الطاولة دون ما اكتراث.

رزمة مفاتيح...

علبة سجائر من النوع الرخيص أوشكت على النفاذ...

ولاعة غازية لا يعرف استعمالها إلا هو...

تذكرة حافلة مستعملة دونت عليها أرقام لم يعد يتذكر ما ذا تعني له، فاحتفظ بها على أمل يتذكر ذلك على حين غفلة من ذاكرته المتصلبة...

ومن الجيب الداخلي أخرج حافظة نقود هزيلة هزال المبلغ الذي تحتويه: ثلاث قطع معدنية و ورقة نقدية واحدة من فئة آيلة إلى الانقراض بعدما سكت كل نظيراتها على شكل قطع معدنية. مبلغ لا يكفي حتى لشراء حبل يلفه حول عنقه إذا توفرت لديه يوما ما الشجاعة الكافية لتحقيق حلم لطالما داعب مخيلته.

سحب الرجل المنهك كرسيه ليلقي بجسده عليه، لكنه ما أن لامست مؤخرته الجسم الخشبي حتى قفز واقفا كالملسوع. فلقد تذكر قلمي الحبر الصيني الذين لا يزالان يقبعان في جيب السترة الداخلي وتذكر الكابوس الذي عاشه يوم نسيهما في جيب سترته ما قبل الحالية، فأصيب أحدهما بنوبة غثيان مفاجئة، بسبب الحرارة، و ربما بسبب رائحة إبط صاحب السترة، و التي كانت تصر على التشبث بحقها في الانبعاث كمكون أساسي لشخصيته، حتى بعد حصة الكي التي تخضع لها أيام الآحاد الأخيرة من كل شهر. كانت الخسائر التي ألحقها القلم اللعين بالمسكين فادحة، بحيث طال عبث السائل الأزرق القميص و ربطة العنق مما اضطر الرجل إلى اقتناء طاقم ملابس مستعملة ما كان يفكر في اقتنائها إلا بعد سنتين. و هكذا بسبب لحظة سهو وجد نفسه رازحا من جديد تحت وطأة أقساط جديدة تقصم ظهره قبل أن تقصم راتبه الهزيل.

استل القلمين من مكانهما، و ألقى بهما مع جملة الأشياء المتناثرة فوق الطاولة قبل أن يعود و يتكوم من جديد فوق الكرسي الذي أحدث خشبه النخر صريرا جعل الرجل يشد عضلاته محاولا تخفيف وزنه حتى لا ينهار الكرسي المترنح تحته.

استقر القلم الأحمر بين الأشياء المختلفة الأصول و الوظائف، و المتناثرة في عشوائية بنايات الحي الشعبي الذي تتوسطه العمارة المهترية، بينما تدحرج القلم الأزرق بعيدا، على عكس تأثير الجاذبية، قبل أن يستقر في أقصى الطاولة بمحاذاة ريشة فضية وضعت بعناية فائقة فوق قطعة قماش ناعمة. تلك الريشة التي كانت تذكر ساكن الغرفة، كل ما قام بتلميعها، بتلك اللحظة التي صعد فيها إلى منصة التتويج ليستلمها كجائزة له على أفضل تحقيق صحفي،

أشعل الرجل لفافة تبغ و سحب منها جرعة من الدخان ثم نفثها ببطء لتشكل غيمة سميكة ظلت تتموج في قضاء الغرفة. وضع اللفافة في المنفضة ثم ربع ذراعيه فوق الطاولة و ألقى برأسه المثقل بالهموم عليهما و ظل يبحلق بعينيه من خلال زجاج نظارته السميك في الأشياء المبعثرة حوله. كان ينظر إليها دون أن يميز بينها. فقد كان فكره شاردا و نظراته فارغة. أخذ في استعراض أحداث هذا اليوم المشئوم.

كلمات رئيس التحرير الجديد لا زال صداها يتردد في أذنيه: لقد قررت إدارة الجريدة أن تستغني عن خدماتك... هكذا قالها له بكل بساطة، فتردد صداها في أنحاء غرفة المكتب الفسيحة التي يقبع الرئيس في آخرها خلف مكتب كبير من الخشب النفيس.

تذكر نظرات السخرية الشامتة المنبعثة من عيني تلك الصحفية المتبجحة و التي كان يجد صعوبة في التمييز بين تحليلها السياسي في الصفحة الأولى من الصحيفة و ما تخطه يمينها- أو بالأحرى شمالها لأنها كانت شولاء- بأحمر الشفاه و فرشاة الألوان الصارخة على صفحة وجهها ذي التضاريس البركانية.

توجهاته الفكرية لم تعد تتلاءم مع الخط الإيديولوجي للتحرير كما أن قلمه الراديكالي لم يعد يخدم الأهداف الإستراتيجية للحزب، المالك الجديد للصحيفة...!

هذا هو التبرير الذي أسر به إليه رئيس التحرير في همسة أخوية مصحوبة بربتة خفيفة على كتفه. عزاؤه الوحيد كان في هذه الكلمات الضخمة التي شيعه بها رئيس التحرير: إيديولوجي...راديكالي...إستراتيجي... كلمات لطالما استعملها في كتاباته في العلاقات الدولية، كلمات ما كان يتخيلها يوما إلا في محل المضاف إليه أو النعت الملازم لكلمات أخرى لا تقل عنها وزنا في تغيير مجريات أحداث العالم. كلمات كان يظنها كحق الفيتو استعملها حكرا على القوى الكبرى...

فإذا به، هو ذلك الصحفي المغمور ذو الجسد الهزيل الذي ينوء تحت ثقل معطفه، يجد نفسه و قد أضيفت إليه هذه العبارات الضخمة ليهوي تحت ثقلها إلى حضيض البطالة.

كان بوسعه أن يطالب بتفسير منطقي لهذا القرار الظالم و المفاجئ، لكنه لم يفعل! كان وقع المفاجأة عليه من الشدة بحيث شل مخه عن التفكير و توقفت حواسه عن الإدراك. تصبب منه العرق البارد و ارتعش جسمه. شعر بالغثيان وبألم يعتصر أسفل بطنه، فخشي أن يفقد السيطرة على ما بقي من وظائف عضوية في جسمه فيحدث منه ما هو أسوء.

قرر الانسحاب بهدوء الأبطال. أبطال وجدوا أنفسهم يوما في موقف بطولة لم يختاروه. آخر شيء يتذكره صوت ارتجاج الباب خلفه حين أغلقه البواب بعنف بعيد خروجه من مبنى الجريدة. حتى البواب تنكر له ! قد يكون هو الآخر اكتشف فجأة اختلافه معه في الخط الإيديولوجي أو في أي خط آخر ليس إيديولوجي، ربما خط النقل الحضري الذي ظلا يستقلانه معا بعد كل مداومة لعشرين سنة خلت.

لم يتذكر كيف عاد إلى الغرفة و كيف استقل الحافلة و متى نزل منها...كل شيء مسح من ذاكرته، بل لم تسجله على الإطلاق، لأنه كان طيلة مشوار العودة مشغولا بتأنيب رئيس التحرير الغبي و القليل الوفاء.

كان يراه يطأطئ رأسه و يتمتم بخجل بينما كان هو يسرد بفخر مآثره في خدمة الإعلام القومي الملتزم بكل قضايا الأمة و يستعرض تضحياته واستبساله في سبيل الدفاع عن الجريدة الناشئة التي كان النظام يحاول وأدها في مهدها...كانت العبارات تتزاحم في رأسه، لكنها تظل حبيسة حلقه الجاف. كان كلما أنهى استعراض فصل من فصول ملحمته النضالية يتراءى له رئيسه و هو يتقزم و ينكمش حتى صار بحجم عود ثقاب. ارتسمت على وجه الصحفي الحالم ابتسامة و تنفس بارتياح...
انتظمت أنفاسه المتهدجة بينما كانت عيناه النصف مغمضتين تنساب منهما رؤية ضبابية تنزلق على سطح الطاولة المصقول فتراه بلا نهاية.

كانت الطاولة تشبه بشكل غريب مكتب رئيس التحرير! كان القلم الأزرق جالسا خلف مكتب ضخم من الخشب الأسود بينما كان القلم الأحمر منتصبا أمامه ورأسه شامخا في السماء يغشاه الضباب الذي كان يلف المكان. كان النقاش الحاد بين الكائنين المداديين يصل إلى مسامع الكاتب على شكل أزيز تدرج إلى طنين ثم إلى همس ليصبح كلاما فصيحا رغم لكنته الجمادية.

صاح القلم الأزرق مخاطبا الأحمر: هيا ارحل من هنا، فلم يعد لك مكانا بين الأقلام الملونة التي نحتاجها. فأنت لست سوى أداة تصحيح تعيش على أخطاء الآخرين. أما و قد صارت الأغلاط قاعدة فلا أجد سببا لبقائك، بل لا أجد سببا لوجودك أصلا.فلقد تخلصت اللغة من القيود الرجعية التي كانت تفرضها عليها قواعد النحو و الصرف و الإملاء المتحجرة، فصارت الكتابة أكثر سلاسة وأصيح الأسلوب أكثر تحررا.

لم يعد مهما أن ترفع الفاعل أو تنصبه! و لم يعد عيبا أن تنسخ الخبر بغير ناسخ ثم تعطفه على من شئت ممن ترضى، دونما حاجة إلى ضمير لأن الضمير قد انعدم!

النسخ و اللصق من أروع ما تفتقت عنه عبقرية مبدعي هذا الزمن.

خطوطك الحمراء تحت سطور كاملة بل فقرات بأكملها من كتاباتنا لم تعد تعني شيئا لأحد. نعم كل الخطوط الحمراء هي خطوط واهية. بل هي وهم و سراب ليس له وجود إلا في مخيلة الذين يرسمونها. تجاوزها لا يكلف سوى عناء التفكير فيه.

فلسطين خط أحمر...القدس خط أحمر...حياة عرفات خط أحمر... دماء الفلسطينيين كانت خطوط حمراء قبل أن تتدفق أنهارا حمراء...المسجد الأقصى خط أحمر...المقدسات الدينية خطوط أشد حمرة...

كل الخطوط الحمراء تحولت إلى خطوط تغري يتجاوزها و كأنها ما سطرت إلا من أجل الإمعان في إذلال واضعيها.

زمجر القلم الأحمر من وراء الضباب الذي يلف المكان، لكن صوته جاء متموجا تموج الضباب الذي يكتنفه:

لا لن أرحل! بل سأظل هنا حارسا أمينا يصون عرض اللغة من عبث العابثين، سأبقى سدا منيعا في وجوه دعاة التفسخ و الانحلال. ستظل خطوطي وصمة عار تفضح كل السطور الماجنة و ستظل دوائري سورا عازلا يلتف حول الكلمات و العبارات الدخيلة ويمنعها من نقل عدواها إلى ما بقي سليما من جسم لغة هذه الأمة.

سأظل اللعنة التي تطارد كل مغتصبي عفة القصيدة و منتهكي عرض القافية. سأبقى، رغم أنوف دجالي الحرف ومرتزقي الكلمة، ذلك الصوت القوي الذي يصدح بالغناء كلما علا نعيق غربان التغريب المتهافتة على التغذي، حتى التخمة، على جيفة أفكار مستوردة نتنة.

فلا نامت أعين الجبناء دعاة الرذيلة، و لتجف الأقلام العميلة كما جفت في نفوس قوم معاني الشرف و نضبت منابع الفضيلة.

كانت الكلمات و العبارات تتشكل في ذهن الرجل، الغارق في بركة من اللايقظة و اللانوم، كما تتشكل فقاعات الهواء تحت سطح الماء، ثم تنساب عبر انفراج شفتيه الشبه مبتسمة، فيتلقفها القلم الأحمر قيل أن تتلاشى لكي يعيد صياغتها على شكل كلمات قابلة للنطق بلغة الأقلام.

حاول القلم الأزرق أن يبدو هادئا لعله يكبر في عين الريشة الفضية و التي لم يكن يخفى رغبته في كسب ودها.

نظر إلى الأشياء الأخرى المتناثرة على الطاولة فوجدها، رغم تفاهتها، قد أصبحت تشكل صفا مرصوصا خلف القلم الأحمر الذي لم يترفع يوما عن الإقامة بينها. شعر القلم الأزرق بأن عباراته بدأت تخونه، فحتى الريشة الفضية أصبحت نظراتها تنم عن الإعجاب بالقلم الأحمر و إذا صرف بصرها تلقاء القلم الأزرق تجهمت تقاطيع وجهها المعدنية. تطلع إليها مستجديا لعله يستلهم منها أفكاره، فارتطم بصره بصلابة المعدن البارد فازداد ارتباكا. حاول إثارة أنوثتها الفضية الواجمة ، فدفع بالنقاش إلى منحى الرومانسية. فخاطب القلم الأحمر بنرجسية زائدة تغذيها نار الغيرة المتأججة في صدره:

ألا قل لي كيف يتجرأ من كان مثلك بلون الطين على التطاول على من لونه مشتق من لون السماء مثلي؟ يالجرأتك!!!

فأجاب القلم الأحمر بهدوء: إن زرقة السماء ما كانت لترى لولا حمرة قرص الشمس المتوهج في كبدها. فهل رأيت من تغنى بزرقة السماء في بهيم الليالي المظلمة؟

قال القلم الأزرق: إن لوني كلون الأفق البعيد حيث تعانق السماء البحر و إلى حيث تسافر أنظار العشاق كل يوم في انتظار حبيب سيأتي من ما وراء البحر.

أجاب القلم الأحمر: ليس في لون الأفق جمال إلا في لحظات احمرار الشفق. فلا زرقة الأفق تشد أنظار العشاق و لا زبد البحر ينبأ بقرب العناق. فما يأتي العشاق لرؤية الأفق إلا ليشهدوا لحظات الغروب و ينتظروا لحظات الإشراق.

استطرد القلم الأزرق بنبرة تشوبها رزانة مصطنعة : أيها القلم ذو اللون المقزز. كفاك جهلا و تجاهلا. فالعالم حولك يتغير وأنت متكلسا في غيابات كهفك المظلم. انظر حولك فقط لترى ما حل بمنهم على شاكلتك و إلى ما صار إليه حال من كان قد فتنهم لونك.

أين حمرة الغضب في عيون الرجال حين تسبى الحرائر؟

و أين حمرة الخجل التي كانت تعلو وجوه العذارى حين تنشد قصائد الغزل ؟

وأين حمرة دماء الغزاة التي كانت سيوف الفرسان تعود مخضبة بها من ساحات الوغى؟

لم يعد في عالم اليوم من يعتنق مذهبا أحمر! فكل رموز العالم التي كانت حمراء قد هوت منذ هوت رايات الجيش الأحمر و خمدت نار الثورة الحمراء، والتي لم تهوي منها صارت باهتة.

الحمرة كلها صارت مختزلة في ربطة عنق تتدلى على صدر جورج بوش.

أما نحن فلن نستبقي لأنفسنا من اللون الأحمر إلا ما يكفينا لتلوين ليال حمراء نقضيها و كاسات خمر نحتسيها.

غاص القلم الأزرق من جديد في أعماق و جدان الكاتب الغائب، ثم عاد و قد نهل من أفكاره المتدفقة، و استطرد قائلا:

صه أيها المسخ الأزرق، فأمثالك لا يجرؤون على التطلع إلى أعين الرجال حين تحمر!

أصلابكم لا يخرج منها الفرسان ونسائكم لا تنجبن العذارى! فلا يحق لكم أن تتحدثوا عن الشرف و أنتم من وأده

قصائد غزلكم مجون و عربدة و حرائركم قدمتموهن أخدان لمن اتخذتموهم قدوة لكم.

جعلتم كل حبكم للمال و الجاه فلم تستبقوا منه شيئا لهوياتكم فسلبت منكم، و سخرتكم مدادكم في تلوين أفكار مسمومة، و نصبت أنفسكم دلالين لها في سوق النخاسة لعلكم تجدون مفلسا يسومها ...

ألا يئس القوم أنتم !!

أحس القلم الأزرق بأن مداده صائر إلى نضوب و أدرك أنه لا طاقة له على مجارات هذا القلم المحنك، فأطرق برأسه مقرا بهزيمته. فتعالت أصوات الأشياء المتمترسة خلف القلم الأحمر بالتهليل و التصفيق مبتهجة بانتصار صوت الكلمة الطيبة على ترهات دعاة التغريب و المجون.

أتت النار على ما بقي من السيجارة المحترقة على حافة المنفضة. تلاشى الضباب الذي كان يكتنف الغرفة وساد الصمت المكان. تسللت أشعة الشمس إلى داخل الغرفة و تهيأت كتلة الهواء المحملة برائحة الرطوبة وأعقاب السجائر للانفلات كعادتها خارج الغرفة الضيقة. تملل الرجل على كرسيه و فتح عينيه ببطء و جال ببصره في أرجاء الغرفة ثم تفقد الأشياء التي ألقى بها منذ صبيحة لأمس فوجدها مستقرة في أماكنها، ماعدا القلم الأزرق الذي اختفى. لم يكلف نفسه عناء التساؤل عن سر اختفائه فهو لم يعد بحاجة إليه على كل حال.

تناهى إلى مسامعه صوت خشخشة مألوفة فقام متثاقلا و التقط الجريدة التي دسها بواب العمارة المهترية، كعادته كل يوم، من خلال الفتحة المضيئة تحت الباب. جال ببصره في الصفحة الثانية حيث كان ينتصب عموده اليومي فوجد مكانه إعلانا لحفل ساهر تحييه فنانة من جمهورية سلوفينيا، وفي إطار صغير أسفل الإعلان كتبت عبارة اعتذار للقراء عن عدم نشر العمود اليومي - قراءة في واقع المجتمع لعربي- لصاحبه الكاتب الكبير شريف أبو الفكر و الذي اختار أن يتمتع بما بقي من عمره بإجازة مفتوحة. أخذ الرجل قلمه الأحمر و خط به بضع سطور تحت بعض الكلمات الناشزة. ثم كتب على هامش الصفحة الأولى :
المرء في الظاهر ذو اختيـــــــار و القسر باطنا عليه جــــــاري
وكان من عجائب الجبــــــــــــار أن يجبر المرء بالاختيــــــــار

- تمــــــــت


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sba7bnat.forumarabia.com
 
الكاتب ذو القلمين ـ لـــ أبو المقداد الشنقيطي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى صباح بنات :: الأقسام الأدبية :: ~ قصص واقعية - حكايات - روايات - قصص مضحكة ..}-
انتقل الى: